7 - مايو - 2024م

هل انفصلت سوريا عن المستقبل!

عندما تزور الحدث الأضخم والأهم في العالم إكسبو 2020 دبي، تجد في عديد من الأجنحة العالمية المشاركة، سواء في جناح الإمارات أو الولايات المتحدة أو الصين أو روسيا أو فنلندا، وغيرها من الأجنحة، التقاء لمختلف الخيوط المؤدية إلى المستقبل، من الفضاء إلى الذرة وصولاً إلى ما لا يتخيله العقل البشري حاضراً، إلا أن هنالك بعض الأجنحة التي تجدها ركزت على تاريخها وحضارتها وقد يكون ذلك بسبب الظروف والأزمات التي تمر فيها منذ سنوات، من حروب وعدم استقرار وغيرها، ومنها الجناح السوري الذي عند زيارته تجد حضارة غنية أسهمت بإنجازات كبيرة في تطور تاريخ البشرية، لكن ثمّة ما يوحي وكأن سوريا بقيت منغمسة في الماضي.. فهل انفصلت عن المستقبل؟

لمعرفة الإجابة عن هذا السؤال يجب أن تزور الجناح السوري في إكسبو 2020 دبي، فعندما تذهب هناك ستستقبلك جدارية كبيرة، هي عبارة عن نسخة طبق الأصل من أول أبجدية عرفها التاريخ أبجدية أوغاريت، والتي تعود لحوالي العام 1400 قبل الميلاد، وكذلك على مراحل تطور الكتابة والأبجدية في مناطق متعددة من سوريا، وكيفية تأثير هذه الأبجدية في العالم وصولاً إلى اللغة العربية التي أثرت في العديد من لغات العالم.

وبعدها بخطوات قليلة، بإمكانك الاستماع عبر تجربة تفاعلية إلى الترنيمة الحورية، وهي أقدم تدوين موسيقي عرفته البشرية، بعمر 3500 عام، ومن ثم ستكون على موعد مع حكاية بطولية عن أبطال سوريين أنقذوا البذور التي كانت في بنك البذور في حلب، حيث كانت سوريا موطناً لأول محصول، يعود تطور المجتمعات الزراعية الأولى فيها إلى 15 ألف عام قبل الميلاد، بالإضافة إلى غيرها من المشاهد والمحطات التاريخية والحضارية الكثيرة، فالجناح السوري في إكسبو دبي يمثل أحد أهم النوافذ على التاريخ الإنساني، بما تمتلكه من حضارة ثرية بالعلامات المضيئة في مسيرة البشرية.

وفي الحقيقة وإن كان المستقبل مهمّاً للغاية بحسب التخطيط الاستراتيجي الحديث الذي تعتمد عليه الدول المتقدمة في بناء مستقبل شعوبها، إلا أنه يمكن التأكيد على أن بناء أي مستقبل من دون الاستناد على سيرة حضارية ودعائم تاريخية لا يمكن أن ينجح بالصورة المطلوبة، وهنا نجيب على السؤال السابق: هل انفصلت سوريا عن المستقبل؟

في الحقيقة سوريا لم تنفصل عن المستقبل، فعلى الرغم من الأزمات الطاحنة التي تضرب بعض البلدان العربية سواء كانت سوريا أو العراق أو اليمن أو لبنان أو فلسطين.. إلا أن بعض هذه الدول قررت التواجد في إكسبو دبي جنباً إلى جنب مع دول متقدمة عليها بعشرات السنوات، دون أن تنفصل عن رغبتها في إثبات التواجد بإصرار في معرض عالمي بحجم إكسبو 2020 دبي، وهذا بدون شك يعتبر شكلاً من أشكال النهوض والتطلُع لآفاق المستقبل، وهذا تماماً ما يجعل الإنسان السوري مثالاً حقيقياً يجسّد موضوع تواصل العقول وصنع المستقبل.

وفي هذا السياق يجب أن لا نتردّد لحظة في تقديم الشكر والعرفان لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة التي دعمت بناء ومشاركة الجناح السوري وغيره من الأجنحة العربية حرصاً منها على استمرار الأمل في مستقبل الأمة العربية والإثبات بأنها أمة حية وقادرة على النهوض مجدّداً والقيام بدورها العريق كصانعة للحضارة وفخر للتاريخ، فدولة الإمارات وفي جميع النقلات الحضارية التي حققتها لم يتزعزع إيمانها يوما بأمتها، وهي تقدم على الدوام رسالتها من خلال دعم البلدان العربية الشقيقة، وتؤكد أن تاريخ المنطقة أكبر من أي أيديولوجيات، كما تثبت ضرورة الحفاظ على الإرث الحضاري والمعالم الأثرية التي تعد دليلاً على عراقة حضارات دول المنطقة، كما فعلت سابقاً في إعادة بناء البوابة التاريخية لمدينة تدمر الأثرية، وإعادة بناء وترميم الجامع النوري ومنارته الحدباء في مدينة الموصل العراقية، وغيره العديد من المواقف التي تظهر بما لا يدع مجالاً للشك المعدن الحقيقي لدولة الإمارات العربية المتحدة ومسيرتها الملهمة في الحفاظ على التراث الإنساني والثقافي للعرب.

ولأننا محكومون بالأمل، يبقى التاريخ متقدماً في سوريا، كما وصفها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في كتابه قصتي والتي آثر البدء بها على وقع أبيات قصيدة للراحل نزار قباني، يقول فيها:

والماء يبدأ من دمشق… فحيثما

أسندت رأسك جدول ينساب

ويضيف سموه منذ نشأتي وحتى كبرت كانت سوريا بالنسبة لي إحدى أهم دول المنطقة، سوريا الحضارة، سوريا العروبة، سوريا الطبيعة والجمال، والتاريخ والثقافة، ورغم أنها تعيش اليوم عالماً آخر، إلا أن سموه لم يفقد الأمل بعودتها إلى حضن الحضارة، حيث يقول: مازال لدي أمل بأن الشعب السوري الذي استطاع بناء 40 حضارة على أرضه، قادر على بناء حضارة جديدة. وهنا لم يبق أمامنا سوى أن نستبدل السؤال الأول بآخر من وحي ذات القصة. فمتى تصبح دمشق.. دبي؟

شاهد أيضاً

محمد المر: إصدارات محمد بن راشد توثق تاريخ دولة الإمارات السياسي والحضاري

أكد معالي محمد أحمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم …